expr:class='"loading" + data:blog.mobileClass'>

Saturday, October 8, 2011

ستيف جوبز ليس حمصيا ولا عربيا ولا مسلما .. بقلم :ياسر أبو هلالة







يبدو السؤال سخيفا جدا عن هوية واحد من أبطال الثورة الرقمية التي غيرت وجه العالم. فحتى لو كان وفيا لأصله البيولوجي، وواظب على أداء الحج والعمرة ونظم الشعر بالعربية، واستقر مع عائلة جندلي  قريبا من قبر خالد بن الوليد في حمص فإن ذلك لا يلغي حقيقة أنه ابن أميركا؛ أميركا العظيمة التي تدخل في تفاصيل كل إنسان، حتى ألد أعدائها.
إن شخصيته بذاتها تشكل ردا صارخا على العنصريين الذين يعبدون أوثان الهوية. فالإنسان لا يحكم عليه من خلال جيناته المفروضة عليه بل من خلال ما اختار عقله وكسبت يداه. ستيف كان يستحق التهميش والازدراء تكفي أصوله العربية والمسلمة، وإن لم تكف فهو لقيط! من يمكن أن يزوجه في بلادنا؟
ربما كان لطيفا لو أنه تضامن مع مدينة حمص الثائرة المستباحة، وستلقى عائلته ما لقيت عائلة الموسيقار مالك جندلي من الشبيحة الذين هشموا أبواه المسنين. والمأساوي في الشخصية الأسطورة ليس فراقه عن والده البيولوجي، بل في طرح السؤال الكبير كم ستيف جوبز أهدر بفعل أنظمة القمع الوحشية، من عائلة جندلي نشأ في أميركا ثلاثة مبدعين ستيف وأخته غير الشقيقة منى والموسيقار مالك. في حمص سيكون ستيف مطاردا ومالك شهيدا ومنى مغتصبة تظهر، كما زينب الحصني على الشاشة، لتعلن بكل ثقة أن أقاربها يحاولون قتلها لأنها قررت أن تبدع!.
لا شك أن ستيف ورث جينات الذكاء مثل أخته غير الشقيقة، لكنها غير كافية. الأسرة والمجتمع هما من يطوران الشخصية ويطلقان طاقتها الإبداعية أو يطمرانها عميقا تحت تراب الجهل والتخلف. وهذا ما حصل مع الإنسان العربي في القرن الأخير. إن مفتاحا أساسيا في شخصية جوبز هو الثورة؛ على الذات، وعلى كل سلطة. الثورة التي تقود إلى النظام، الحياة التي تخرج من الموت.
نشأ رغما عنه نشأة غير عادية. والداه تخليا عنه، بعد أن رفض أهل الأم إتمام الزواج غير الشرعي، قد تكون أصول الوالد سببا في ذلك. بحثت والدته البيولوجية عن عائلة تليق به، واشترطت أن تكون جامعية، وهو ما تعذر، فالعائلة الجامعية صادف أنها تريد بنتا، وفي تسوية مع عائلة أخرى غير جامعية، وهي عائلة جوبز وعدت أن تمنح الصبي فرصة دراسة جامعية.
في خطابه الفلسفي الشهير في جامعة ستانفورد، والذي ألقاه في 2005 بعد اكتشاف إصابته بالسرطان وإخباره أنه لن يعيش أكثر من نصف عام. يرسم صورة مبهجة للموت الذي تولد الحياة منه، يقول إنه " أفضل اختراع" وهو غاية الحياة ولا أحد يهرب منه، وخاطب الطلبة "لا تضيعوا وقتكم الوقت محدود" !. لذا رحل بعد أن قدم للبشرية 338 اختراعا.
لم يكن قديسا، وكرر خطأ أبيه عندما تخلى عن ابنته غير الشرعية. وفي عمله كان غرائبيا يدور في الشركة حافي القدمين، ومن شروط العقد أن لا تسلم عليه عندما تشاهده. ربما لأنه سيضيع وقتا في المجاملات. مقارنة بذلك شاهد خطابه في ستنافورد على الإنترنت أكثر من ثمانية ملايين، نها الحياة الافرتاضية التي تنافس الحياة الواقعية. بادل والده البيولجي قسوة بقسوة ولم يره مطلقا، كما لم يزر أو يحرص على التواصل مع سورية والسوريين.
في الجامعة لم يكن الطالب المنضبط درس ستة شهور، ولم يجد نفسه في الجامعة والشهادة. ترك الدراسة رسميا واختار أن يحضر حصص الخط التي غيرت مجرى حياته، أنها النظام الذي يخرج من رحم الثورة.
من متى لا تدرس مدارسنا حصة الخط؟ يقول جوبز "تعلمت خطوط Serif و San Serif  وحول تعديل المسافة بين الحروف  الكلمات، حول ما يجعل الطباعة الرائعة رائعة بحق، لم يكن هذا مفيداً في حياتي لكن بعد عشر سنوات، عندما كنا نقوم بتصميم حاسوب الماكنتوش الأول جائت إلي هذه الخطوط و قمت بتركيبها في نظام ماك، و كان هو الحاسوب الأول ذو الطباعة الجيدة. فلو لم أقم بدراسة تلك المادة في الجامعة لما أصبح لنظام ماك خطوط متعددة وذات مسافات متناسبة. حتى بالنسبة لنظام الويندوز الذي قام بتقليد الماك، فلو لم أدرس تلك المادة لما أصبح لكل جهاز شخصي هذه الخطوط و لم يكن لديهم هذه الطباعة للخطوط الرائعة التي يعملون عليها حتى الآن".
تقليد الخط ولد منه التجديد، وهو يحذر في خطابه الطلاب "لا تدعوا صوت غيركم يغير أفكاركم"، لم يعش طالبا منعما تقاسم الغرف مع رفاقه في الجامعة ونام على الأرض، ومشى سبعة أميال من أجل وجبة عشاء.
بدلا من الانشغال بهويته، تعطي وفاته دافعا للشعوب العربية أن تواصل ثورتها حتى تكون مجتمعات عدالة وفرص وإبداع وحرية.
فالمشكلة كما أثبت جوبز ليس في جيانتها المشكلة في نظامها. إن ما بعد الموت هو من اختصاص الله عز وجل، لا أحد يضمن دخول الجنة أو النجاة من النار. اختصاصنا في الحياة الدنيا هو "عمارة الأرض" لا الإفساد فيها. ولا شك أن جوبز وسواه من المبدعين هم ممن يعمرون الأرض. والمفسدون هم من أذاقوا شعوبهم لباس الجوع والخوف. وأقاموا لهم جهنم على الأرض. النقاش على الهوية يتواصل في حمص، من هي الفتاة التي حرق وجهها ويديها بالنار، بعد أن تبين أنها ليست زينب الحصني. سؤال الهوية يظل سخيفا في الحالين. فالإنسان السوري والعربي عموما، مهدور الإنسانية معدوم الفرص ولو كان بعقل ستيف جوبز.










>
انشرها مع اصحابك