لم يكن يعلم الثلاثيني حازم أن زواجه، لن يستمر أكثر من أسبوعين فقط، ليستيقظ من حلم طالما لازمه وهو الارتباط بفتاة تفهمه وتكوين أسرة سعيدة ومستقرة.
فرحة الزفاف والاستعداد له "تلاشت بلمح البصر بعد أيام من الارتباط والعيش تحت سقف واحد"، وفق وصف حازم الذي يقول إنه وبعد إلحاح أهله المتواصل عليه بضرورة الزواج، قام بخطبة فتاة بشكل تقليدي، وبعد شهرين تزوّجا ليعيشا معا، وهناك ظهر كل شيء على حقيقته.
ويضيف "لا أعلم ما الذي حدث، فمنذ اليوم الأول من الزواج تغيرت تلك الفتاة، لم تكن تشبه التي كانت في فترة الخطبة على الإطلاق، فحالها وكلامها وتصرفاتها تبدّلت، وباتت واحدة أخرى لا يمكن بأي حال من الاحوال أن أنسجم وأعيش معها".
ويشير حازم إلى أنه بعد الأسبوع الأول صبر عليها وعلى صراخها الدائم، معتقدا أنها متوترة لفراقها أهلها وللمرحلة الانتقالية الجديدة التي تعيشها، إلا أنه لم يحتمل الوضع بعد ذلك، فتطور الأمر عندها حتى وصلت فيها الجرأة إلى أن تشتمه ومن حوله وتتلفظ بألفاظ سيئة، وتريد متابعة حياتها برفقة أصدقائها وكأنها لم تتزوج وتبدأ حياة جديدة.
إصرار زوجة حازم على التصرف بهذا الشكل بدون أن تبدي مجرد استعداد بسيط للتغير دفعه إلى إرجاعها لمنزل أهلها بعد أقل من شهر على زفافهما والمباشرة في إجراءات الطلاق، مؤكدا أنه حزين لذلك "فالناس لا تكف عن السؤال حول الخلل الذي حصل بيننا، وأنني ما أزال عريسا جديدا"، غير أن حازم يرى أنه "ليس باليد حيلة" وأن الانفصال خير من استمرار علاقة يشوبها التوتر وقلة الاحترام.
العشرينية لبنى هي الأخرى أصيبت بصدمة في بداية زواجها من الشاب الذي تزوجته وكانت تجد فيه فارس أحلامها، لتكون الفجيعة بعد اليوم التالي لزفافهما حيث تقول "مباشرة بعد الزفاف بدأت أجد حياة وشخصا جديدين، فمنذ اليوم الأول من زواجنا أصبح يخرج كل يوم ليعود فجرا وهو ثمل، ويظل نائما حتى ظهر اليوم الثاني، وعندما أجد وقتا قصيرا لمناقشته في الأمر يبدأ بالصراخ، مصرّا أن هذه هي طبيعة حياته، إما أن أحتملها أو لا".
وبعد عشرين يوما من ارتباطها، قررت لبنى العودة إلى بيت أهلها لترفع على زوجها قضية خلع، مبينة أنها حزينة جدا لمستقبلها الذي دمر "بسبب أيام زواج قليلة فاشلة، لتنضم إلى لائحة المطلقات"، فضلا عن "نظرة الناس التي تستفسر عن طلاق فتاة لم يمض على زواجها شهر وكأنها معلولة وملامة".
وحول السبب الرئيسي لفشل الزواج في الأيام الأولى فيحيله اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، إلى عدم وجود المعلومات الكافية عن الزواج وعن كيفية التعامل مع الحياة الزوجية، إلى جانب غياب التنظيم قبل الزواج، فضلا عن التسرع فيه، ليفاجأ الأزواج بشخصياتهم الجديدة بعد الارتباط، وأن الحياة الزوجية مختلفة تماما عن الذي كان في مخيلتهم كونهم يعيشون في الواقع.
من جانبه يقول اختصاصي الطب النفسي الدكتور أحمد الشيخ إن الطلاق بعد الزواج مباشرة يعتمد على توقعات كلا الزوجين من بعضهما، إلى جانب الضغوطات التي تمارس على الطرفين من الأسر، مبينا أن ذلك يجعلهما "مصدومين بالتوقعات غير المطلوبة كونها لم تكن واضحة قبل الزواج".
ويشير إلى أن الزواج يتم بشكل تقليدي، والتوقعات منه تكون غير تقليدية، ما يضعهم أمام تحد لتلبية هذه التوقعات، لافتا إلى أن الآثار النفسية لهذا الطلاق تمتد لفترة طويلة من الزمن على الطرفين، وقد ترتبط باكتئاب وقلق، فضلا عن التعميم من قبل الطرفين على أن الرجال أو النساء يشبهون بعضهم، وهي غالبا ما تكون تعميمات خاطئة بحق بعضهم.
ويرجع استشاري العلاقات الزوجية الدكتور فتحي طعامنة الطلاق في الفترة الأولى من الزواج لعدة أسباب أهمها عدم فهم الزوجين لقدسية الحياة الزوجية ومعناها الحقيقي، إلى جانب أن كثيرا من الفتيات ينظرن للحياة الزوجية على أنها شكل فقط بدون مضمون، فيلتفتن للحفلة وفستان العرس وشهر عسل وغيرها من الشكليات، إلا أن ذلك كله يزول وينتقلن لواقع جديد قد يصدمن به.
ومن تلك الأسباب، وفق طعامنة، تفكير بعض الازواج أن الشريك جاء دون الطموح، ما يخلق ردة فعل، لافتا إلى أنه كلما استطاع الأهل زرع قيم الحياة الزوجية في أبنائهم، حيث يدركون هذه القيم من مودة ومحبة وتسامح وتحمل كان الزواج ناجحا أكثر.
المحامي والباحث في قضايا المرأة عاكف المعايطة يرى أن الطلاق تعددت أشكاله، لافتا إلى نموذج جديد وهو "طلاق يأتي بعد شهر من الزواج مثلا، وسببه عدم دراسة فكرة الارتباط بجدية وعدم معرفة كلا الزوجين للآخر بشكل جيد".
إلا أنه يرى أن الطلاق في الشهر الأول "أمر محرج جدا"، كما أنه "من أصعب أنواع الطلاق"، كون المجتمع قد يعزوه لأسباب خاصة، ما يجعل الأمر صعبا جدا لاسيما على أهل الفتاة، منوها إلى أن القوانين الجديدة "سهلت مواضيع الشقاق والنزاع".
وفي دراسة أعدتها جمعية العفاف الخيرية للعام 2009 فإن معدل الطلاق في السنة الأولى من الزواج والذي يسمى "الزواج الفاشل" بلغ نحو 19.5 %.
ويرى مدير جمعية العفاف مفيد سرحان أن الجمعية تقوم بعمل دورات أساسية تثقيفية توعوية تتضمن موضوعات قانونية صحية واجتماعية تسهم في توعية الشباب في قضايا بناء الأسرة.
كما أن الجمعية تنظم دورات أخرى في التعاون مع مؤسسات تربوية ونسائية واجتماعية تستهدف شريحة الشباب والشابات لإعدادهم للزواج، مبينا أن هناك فرقا كبيرا بين من يشارك في دورة قبل الزواج من غيره.
ويوضح أن الجمعية تسعى لنشر هذه الدورات بشكل أكبر وأوسع، لاسيما أن غالبية حالات الطلاق تكون قبل الدخول، ومن أسبابها، "التسرع في الاختيار"، فتأتي هذه الدورات قبل الارتباط "لوضع الأسس"، حيث يجب أن يقوم على أسس صحيحة تسهم في استمرارية نجاح الزواج.
بدوره يبين اختصاصي الشريعة الدكتور منذر زيتون أن الطلاق في الأيام الأولى له تفسيران، الأول أن يكون تعبيرا عن صدمة يشعر بها الزوجان أو أحدهما تجاه الآخر، عندما يدرك أن شريكه الذي صار معه في بيت واحد لم يكن هو نفسه الذي تعرف عليه قبل الزواج، فهو الآن يظهر بصورته الحقيقية من غير رتوش، بخاصة أن بعض الخاطبين يعرض نفسه في مرحلة ما قبل الزواج على غير طبيعته، فيحدث تنافر بينهما.
أما التفسير الثاني، وفق زيتون، فهو أن الزوجين أو أحدهما لا يكون متصورا ولا مقدرا تبعات الزواج وواجباته، فهو بعد الزواج رب عائلة ومسؤول عن بيت الزوجية وعن شريك حياته، ويصبح هو المعني الأول بمواجهة الظروف والمشكلات التي قد تنشأ في إطار الحياة الجديدة، وبالتالي فعدم تصور ذلك ابتداء أو تجاهله يوقع الإنسان بمفاجأة كبرى قد يجد أن أسهل حل لمواجهتها هو الانسحاب من هذه الحالة الجديدة والعودة إلى الخلف، إلى حيث كان عازبا من غير تحمل مسؤوليات شريك الحياة ولا البيت.
وفي مثل هذه الحالات ينصح الزوجان، بحسب زيتون، باعتماد الصراحة والشفافية في تعاملهما مع بعضهما من أول يوم يتعرفان فيه إلى بعضهما، من غير زخرفة ولا تصنع، ولعل الفراق في البداية أسهل وأخف وطأة منه في المراحل المتقدمة إن لم يحظ كلاهما بالانسجام مع الآخر، ثم الواجب على كل مقبل على الزواج أن يستعد جيدا لمتطلبات حياته الجديدة، ويضع في حسبانه تغير نمط الحياة التي عاشها في أسرته الأولى، ويهيئ نفسه لتنازلات مشتركة مع زوجه وصولا لحالة وسطى تعبر عن رضا متبادل تكون الراحة والطمأنينة فيه تعويضا عن تلك التنازلات.
المصدر: الغد
